بحضور رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، والشيخِ عبدَالله بنَ زايدٍ آل نهيان وزيرَ الخارجيةِ بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، افتتح الشيخِ حامدَ بنَ زايدٍ رئيس ديوان ولي العهد نيابة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، مساء اليوم (الأربعاء)، معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية ـ روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» في متحف اللوفر أبو ظبي.
وأكد رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في كلمته خلال حفل افتتاح المعرض، أن المملكة بادرت منذ قيامها بالاهتمام بآثارها وتراثها الوطني، وتعزز هذا الاهتمام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي عاصر قطاع الآثار منذ إنشائه قبل أكثر من 50 عاماً، وأصبحت المملكة الآن من الدول الرائدة عالمياً في مجال الكشوفات الأثرية، وتشهد مشاريع ضخمة في مجال المتاحف وحماية وتأهيل المواقع الأثرية والتراثية.
وقال الأمير سلطان بن سلمان: «يسعدنا هذا المساء أن نكون في أبو ظبي، التي لها ذكرياتٌ خاصة وجميلةٌ في نفسي، بدأت في الثمانينات الميلادية حينما تشرفتُ بمقابلة المؤسس الراحل الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله-، الذي كان وما يزال مدرسة لنا جميعاً في التعامل والأخلاق، وكان يؤكد في كل مناسبةٍ أهميةَ تعزيزِ التلاقي التاريخي والحضاري الذي تتميز به منطقتنا، وأهميةَ تعزيزِه بين شعوبها، ولعل «معرِض طرق التجارة في الجزيرة العربية ـ روائع من آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» الذي يقام متزامناً مع «عام زايد»، في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، يأتي تحقيقاً لتطلعاته ـ رحمه الله ـ، وقادةِ دول المنطقة في تعزيز التكامل والتلاقي الثقافي بين شعوبها».
وأضاف: «نحن نعيش الآن في عصر التلاقي البشري من خلال السفر والسياحة ووسائل التواصل الحديثة، التي تجعل هذا العالم متقارباً أكثرَ من أي وقت مضى، ونعي اليوم أن التواصل الثقافي والحضاري بين الأمم هو من أهم الأمور التي يجب أن تُعنَى بها الدول، وأن إبراز الدول لحضاراتها من خلال استكشافها ومشاركة الآخرين في ذلك هو جزء لا يتجزأ من بناء الجسور بين الشعوب والثقافات».
ولفت إلى أن الحضاراتِ التي مرت وتقاطعت على أرض الجزيرة العربية عبر تاريخها، عززت لدى شعوب هذه الأرض قدراتٍ أصيلةً متوارَثةً هيّأتهم لبناء دولٍ وممالكَ وبناءِ الاقتصادِ والازدهار عبر الزمنِ.
وتابع: «نحن في دول مجلس التعاون الخليجي يجمعنا روابطُ تاريخيةٌ وجغرافيةٌ وحضاريةٌ وثيقةٌ، ويتوجّب علينا في هذا العصر أن تكون شعوبُ المنطقة واعيةً لهذه الروابط، وأن نشارك العالم في ذلك حيث أننا أمة لم تجتمع على بئر نفط، بل نحن أمة كانت وستظل - بإذن الله - ذاتَ تاريخ مجيد، ومساهماتٍ إنسانيةٍ وحضاريةٍ مهمة، تستند إلى منظومة من القيم الأخلاقية العظيمة التي تكونت عبر مراحل التاريخ، وعززها وأكدها الإسلام، وأن الحضاراتِ والأحداثَ التاريخيةَ المهمةَ التي مرت وتقاطعت على أرض الجزيرة العربية عبر تاريخها، والحَراكَ السياسيَّ والاقتصاديَّ والثقافيَّ الذي نتج عن ذلك عبر مخاض استمر آلاف السنين، إنما عزز لدى شعوب هذه الأرض قدراتٍ أصيلةً متوارَثةً هيّأتهم لبناء دولٍ وممالكَ عبر العصور، وتحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ، وبناءِ الاقتصادِ والازدهارِ، ومع أهمية اهتمامنا بتاريخنا وحضورنا التاريخي بين الحضارات، فمن المهم أن يكون لنا دورٌ أصيلٌ في صنع المستقبل، ونحن على قناعة أن الأمم التي لا تعرف تاريخها لا يمكن أن تساهم في بناء المستقبل، وأن التداخلَ الثقافيَّ والحضاريَّ بين دول وثقافات العالم يُحتّم علينا أن نكون متفاعلين ومنفتحين، وإيجابيين ومرحبين بهذا الحَراك العالمي».
وأكد الأمير سلطان بن سلمان أن ما تحمله شعوبُ هذه المنطقة من إرثٍ عظيمٍ يجعلهم مؤهَّلين لإثراء الحَراك المستقبلي الإنساني، متسلحين بالقيم والأخلاق الإنسانية النبيلة المتوارثة عبر الأجيال، متفاعلين مع التطور العلمي والمادي المتسارع. وذاد: «نحن أُمةٌ تجذّرت فيها الأخلاق وتأصّلت على مر العصور، وقد نزل القرآن الكريم على نبيٍّ من هذه الأمة في هذه الأرض المباركة وصفه الله جل وعلا بقوله الكريم: (وإنك لعلى خلقٍ عظيم)، فنحن أبناء أرض القيم والأخلاق والتعامل النبيل الذي يحترم الإنسان والمكان، ولقد أكّد الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، على هدف مهمته النبوية بقوله: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)».
وبيَّن أن هذه المعارض العالمية المهمة ننظر إليها على أنها إحدى النوافذ التي يرى من خلالها شعوب المنطقة والعالم بعضَ شواهد هذا الحَراك الحضاري في منطقتنا، الذي استمر عبر آلاف السنين حتى تهيأت أرض الجزيرة العربية بشرياً، واقتصادياً، وثقافياً، وسياسياً، وتكونت عليها وحدة مباركة، هي وحدة قلوب ومصير قبل أن تكون وحدة جغرافية، وقد أسهمت القوافل التي قَدِمَتْ للحج والتجارة وتقاطعت على أرض الجزيرة العربية في بناء إنسانِ واقتصادِ وثقافةِ المنطقة، وفي نشوء الممالك والكيانات البشرية المتعاقبة، وأسهمت في توفير وسيلةٍ للتواصل البشري تحاكي إنترنت هذا العصر، وهو ما أسهم في تعزيز التداول الثقافي وتطور وانتشار اللغة العربية الراقية التي خرج بها القرآن الكريم في لحظة تاريخية غيّرت مستقبل الجزيرة العربية إلى الأبد.
وتناول الأمير سلطان بن سلمان اهتمام المملكة بالعناية بآثارها وتراثها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي أيد أول بعثة أثرية من بلجيكا، وقد سار ملوك المملكة على ذلك عبر مراحل تاريخ الدولة الحديثة.
وأضاف: «كما قام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي عاصر قطاع الآثار منذ إنشائه قبل أكثر من خمسين عاماً، بتتويج تلك الجهود المباركة باعتماد وتدعيم برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، الذي يتضمن عدداً من المبادرات التي تعيد لتراثنا الوطني وتاريخنا الإنساني حضورَه في قلوبِ وحياة مواطنينا وأجيالِنا وللعالم أجمع، ليعود بالنفع على اقتصادنا ويكونَ جزءا مَـعِـيـشاً من حياتنا ومستقبلنا، ونحن نقوم بذلك من خلال ثمانية مسارات تتضمن تنفيذ 230 متحفاً ومشروعًا في المرحلة الأولى مع شركائنا حتى عام 2020م بميزانيات تتجاوز مليارات الريالات، تتضمن إنشاء وتشغيل 61 متحفاً منها بعض قصور الدولة التاريخية على مراحل تستمر حتى 2025م، وسيتم افتتاح 17 متحفاً منها خلال العامين القادمين، وتأهيل منظومة من المواقع الأثرية على مراحل حتى تصل إلى (195) موقعاً في عام 2025م، وكذلك تسجيل خمسة مواقعَ أثريةٍ وتراثيةٍ في قائمة التراث العالمي، آخرها واحة الأحساء، ويجري العمل على تسجيل خمسةِ مواقعَ أخرى خلال الخمس سنوات القادمة كمرحلة أولى، إضافة إلى تأهيل مواقعِ ومتاحفِ التاريخِ الإسلامي الكبرى ومراكز الزوار في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتأهيل المساجدِ التاريخية، والتي يساهم فيها ملوك الدولة والمواطنون».
وبيَّن أن عددُ المساجدِ التي رُمّمت أو يجري العمل على ترميمها بلغ قرابة (200) مسجداً تاريخياً حتى الآن من أصل (1140) مسجداً، وتأهيل 18 بلدة تراثية في المرحلة الأولى لتصبح وجهاتٍ سياحيةً توفر منظومةً متكاملةً من الخدماتِ وفرصِ العملِ للمجتمعات المحلية، واستهداف أكثر من (50) قرية تراثية جاهزة للزيارة حتى 2025م، وتشغيل 17 مركزاً للإبداع الحرفي في مختلف مناطق المملكة لتطوير منتجات الحرف اليدوية بصفتها مساراً اقتصادياً مهماً يوفر فرصَ العملِ للمواطنين والمواطنات.
وأشار إلى أن جميعِ أجهزةِ الدولةِ ومرافقِ الإيواءِ السياحيِّ تقوم باستخدام الحرف المحلية في منشآتها وهداياها، إضافة إلى أنه تم ترخيص (200) متحف خاص ذات تخصصات وأحجام مختلفة والعمل مع ملاكها لتطوير قدراتهم وتدريبهم وتنظيم زيارات استطلاع الخبرة لهم ومنها عدد من الزيارات لدولة الإمارات العربية المتحدة، كما يشمل البرنامج مساراتٍ تمكيـنــيةً تتضمن استقطابُ وتأهيلُ الكوادرِ البشريةِ لإدارةِ مواقعِ التراثِ الحضاري الوطني المتعددة من خلال الشباب والشابات الذين يتخرجون من الجامعات السعودية والعالمية، والتوعيةُ والتعريفُ بالتراث الحضاري للمملكة داخلياً وخارجياً، والتركيزُ على قطاعاتِ التعليمِ وجميعِ شرائحِ المجتمعِ بالتعاونِ مع جهاتٍ متعددةٍ كالتعليم والإعلام، وكذلك تنظيمُ الفعالياتِ والمِهرجاناتِ في مواقعِ التراثِ الوطنيِّ، كسوق عكاظ ومهرجان الجنادرية وغيرها من الفعاليات الرائدة، وتأسيسُ شركاتٍ متخصصةٍ للاستثمارِ في التراث الحضاري والحرفِ والصناعاتِ اليدويةِ، وترميم وتشغيلِ مواقعِ التراثِ العمرانيِّ.
ولفت رئيس الهيئة في كلمته إلى أن المملكةُ تعد اليومَ من الدولِ الرائدةِ في مجالِ الكشوفاتِ الأثرية والبحث العلمي التي ترون جانبًا منها اليوم؛ إذْ أصبحت أرضُها نقطةَ جذبٍ لبعثات التنقيب العالمية، حيث يعمل حاليًا 44 بعثةً سعوديةً دوليةً للتنقيبِ الأثريِّ يشارك فيها أبناء وبنات المملكة من المتخصصبن وتعلن باستمرار نتائجَها التي بَهَرَتْ العالم، وحققت أصداءً واسعةً أسهمت في التعريفِ بالبعدِ الحضاريِّ للمملكة، وكونِها مهداً للحضاراتِ الإنسانية، ومصدراً للهجراتِ البشريةِ المبكرةِ إلى أوروبا وآسيا كما كشفته أبحاث علمية أخيراً، كما نعمل عبر مبادراتٍ مهمةٍ مع منظومة من المؤسساتِ العلميةِ المرموقةِ، ونستخدمُ أحدثَ تقنياتِ الاستكشافِ والبحث العلمي، كمشروع الجزيرة العربية الخضراء (Green Arabia) لرصدِ التحوُّلاتِ الـمُـناخية، وربطِ ذلك بالهجراتِ الإنسانيةِ الأولى، وقد أدى ذلك إلى رصدِ أكثرَ من عشرةِ آلافِ بحيرةٍ جافةٍ تحتَ رمال بلادِنا، وآلافِ الأنهارِ المندفنةِ التي وفرت في حقبةٍ زمنيةٍ ماضيةٍ أرضاً خصبةً للاستقرارِ الإنسانيِّ والحيوانيِّ قبلَ فترةِ التصحُّرِ الحاليِّ، ولقد استشرف ذلك نبي الأمة صلى الله عليه وسلم بقولة (إن الساعةَ لا تقوم حتى تعودَ أرضُ الجزيرةِ العربيةِ مروجاً وأنهاراً)، ونحن نؤكد اليوم علمياً أن هذه الأرضَ المباركةَ كانت كذلك سابقًا.
ونوه الأمير سلطان بن سلمان اهتمام المملكة بمسار استعادة القطع الأثرية من داخل وخارج المملكة، وقال: «تم استعادة أكثر من 55 ألف قطع أثرية، وأن معرِض طرقِ التجارةِ في الجزيرةِ العربيةِ ـ روائعُ من آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور، الذي انطلق من مُتحفِ اللوفر العالمي في باريس عام 2010م، واستضافه أهمُّ المتاحفِ العالميةِ في أوروبّا وأمريكا وآسيا، يحط اليوم في محطته الخامسةَ عشرةَ في هذا المُتحفِ المميَّزِ الذي نسعد جميعاً بوجودِه في مِنطقتِنا، وسينتقل المعرِضُ في محطاتِه القادمةِ إلى دولٍ ذاتِ بعدٍ حضاريٍّ وتاريخي عريقٍ، منها اليونانُ وإيطاليا ومصرُ الشقيقةُ التي يشاركنا وزير آثارها الصديق الدكتور خالد عناني اليوم، وغيرها من دول العالم، وأنتهزُ الفرصةَ للإشادةِ بجهودِ أشقائنا في دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ في العنايةِ بتراثِهم، والاستثمارِ في التراثِ الثقافيِّ بصفته مورداً أساساً لتاريخِ واقتصادِ الدولة».
وأضاف: «كما أحيّي جهودَ دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ في المحافظةِ على التراثِ وإعادةِ مكانتِه بوصفِه جزءاً من هُـويَّـتِـنا واقتصادِنا، وهذا يعكسُ ما نؤكدُه دائما من أنه كلما ارتفعَ مستوى التحضُّرِ لدى أمةٍ من الأمم زادت عنايتُها بتراثِها، ونحن بحمد الله، كنا وما زلنا أمةً متحضرةً ذاتَ قيمٍ ساميةٍ وعاليةٍ تعتزُّ بتراثِها العريقِ وتبني عليه؛ لتسيرَ واثقةً نحوَ المستقبل، وأشكرُ متحف اللوفر أبوظبي على استضافة المعرضَ خلال هذه الفترة التي هي أطول محطة للمعرض وتقديمِ كافةَ التسهيلاتِ للخبراءِ السعوديين لتجهيزِه، ولهيئةِ ثقافةِ أبوظبي ولمسؤولي المُتحفِ الذين حقّاً ساهموا في هذا التنظيِم الرائع، وعلى هذا الحضورِ والافتتاحِ الباهرِ، وأشكرُ أخي الشيخِ حامدَ بنَ زايدٍ لحضورِه الكريمِ هذه الليلةَ، وأخي العزيز الشيخِ عبدَالله بنَ زايدٍ وزيرَ الخارجيةِ على حضوره وأيضا مساعدته لنا في بعض الأمور المتعلقة بالمعرض، كما أشكركم جميعًا على حضوركم، وأدعو الجميعَ في الإماراتِ وزوارَها ودولَ الخليجِ إلى زيارةِ هذا المعرِض العالمي المميز مع أسرهم وأصدقائهم».
من جهته، أوضح رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي محمد خليفة المبارك، أن اختيار معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» لاستضافته في متحف اللوفر أبوظبي بمناسبة مرور عام على افتتاحه، يعكس اهتمام المسؤولين الإماراتيين بهذا المعرض الذي اكتسب سمعة عالمية، إضافة إلى أنه يمثل بلدا تربطه مع الإمارات أقوى أواصر الأخوة والشراكة.
وقال في كلمته خلال الحفل: «هذا المعرض سيشكّل القلب النابض للموسم الثقافي الحالي في اللوفر أبوظبي، حيث يبرز (معرض طرق التجارة في الجزيرة العربية: روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) روابط الصداقة والتعاون الوطيدة التي تجمع بين الإمارات والسعودية وفرنسا».
ويقع متحف اللوفر أبوظبي في منطقة تربط أبوظبي بشبه الجزيرة العربية، بالتالي فإن هذا المعرض هو الأنسب لتقديمه للزوار بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لهذا الصرح الحضاري.
وفي ختام الحفل الخطابي، قام الأمير سلطان بن سلمان والشيخِ عبدَالله بنَ زايدٍ ، والشيخِ حامدَ بنَ زايدٍ، إضافة إلى وزير الآثار المصري الدكتور خالد عناني، والشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في المملكة، وضيوف الحفل من الوزراء وكبار الشخصيات، بجولة في معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور».
وقد أدلى رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، في ختام الجولة بتصريح صحفي لوسائل الإعلام قال فيه: «المعرض هو معرض عالمي، وتتميز محطته هنا بوجودها في دولة شقيقة لنا معها امتداد حضاري، وهناك رسالة مهمة للمعرض هي أننا نحن في هذه الدول المزدهرة التي تقوم على وحدة مباركة، لم نجتمع فقط على ثروة نفط كما يعتقد العالم، بل أتينا من بلاد وهبها الله سبحانه وتعالى ثروات كثيرة وقامت فيها دول وممالك عظيمة وكبيرة جداً وتقاطعت عليها حضارات الدنيا، والذي يحدث اليوم من حراك ثقافي وحضاري في بلادنا هو شيء حتمي، لأن اليوم العالم انتشر فيه التواصل الاجتماعي، وأصبحت دول الخليج الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية أمام العالم اليوم مكشوفة، ومن المهم أننا أيضاً نساهم في بناء هذه الحضارة الإنسانية المستقبلية، ومن المهم أن يعرف العالم اليوم من هو هذا المساهم، نحن لم نساهم بأننا أتينا من صحراء قاحلة نحن أتينا من حضارات وسلام، حضارات عظيمة قامت على هذه الأرض التي خرج منها الإسلام ونزل فيها القرآن الكريم كتاب الله المقدس، وحمل أبناؤها إرثها من الأخلاق النبيلة والقيم السامية، فلذلك نحن لا نستعيد فقط الماضي؛ ولكن نحن نُعيد إبراز هذا التاريخ المجيد وتمكينه من أن يكون منفتحاً أمام الناس».
بدوره، أعرب الشيخِ حامدَ بنَ زايدٍ عن تقديره لرئيس الهيئة وشكره للمملكة على تنظيم هذا المعرض المهم.
وقال: «في البداية أشكر أخي الأمير سلطان بن سلمان على هذا المعرض المميز الذي يحوي قطعاً مهمة فاجأتنا جميعًا بقيمتها وجودتها، فأنا لأول مرة أشاهد هذه القطع التي تعكس تاريخ المملكة وحضاراتها التي نتشارك فيها وتجسد علاقتنا التاريخية والمستقبلية، وأنا أدعو الجميع لزيارة هذا المعرض المتميز».
وتتميز محطة المعرض (الخامسة عشرة) التي ستقام في "متحف اللوفر أبو ظبي"، بأنها المحطة الأكبر في تاريخ المعرض، حيث أضيفت لقطع المعرض الـ (466) قطعة أثرية تعكس جانبًا من الأنماط المعيشية في الحضارات المشتركة في الجزيرة العربية، خاصة المتعلقة منها بالصحراء والفروسية والجمال والصيد بالصقور ووسائل الصيد الأخرى في الصحراء.
كما سيشمل المعرض جناحًا للحضارات والتراث المشترك بين المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
ويعد معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني واحداً من أهم المعارض السعودية العالمية التي قدمت التراث الحضاري للمملكة والجزيرة العربية لأكثر من خمسة ملايين زائر من مختلف دول العالم من خلال إقامة المعرض في أشهر المتاحف العالمية بالمدن والعواصم الأوروبية والأمريكية والآسيوية، حيث شكل المعرض فرصة مهمة وحيوية لاطلاع العالم على حضارات المملكة والجزيرة العربية وما تزخر به من إرث حضاري كبير، ومقومات حضارية وتاريخية ممتدة عبر العصور.
وأكد رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في كلمته خلال حفل افتتاح المعرض، أن المملكة بادرت منذ قيامها بالاهتمام بآثارها وتراثها الوطني، وتعزز هذا الاهتمام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي عاصر قطاع الآثار منذ إنشائه قبل أكثر من 50 عاماً، وأصبحت المملكة الآن من الدول الرائدة عالمياً في مجال الكشوفات الأثرية، وتشهد مشاريع ضخمة في مجال المتاحف وحماية وتأهيل المواقع الأثرية والتراثية.
وقال الأمير سلطان بن سلمان: «يسعدنا هذا المساء أن نكون في أبو ظبي، التي لها ذكرياتٌ خاصة وجميلةٌ في نفسي، بدأت في الثمانينات الميلادية حينما تشرفتُ بمقابلة المؤسس الراحل الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله-، الذي كان وما يزال مدرسة لنا جميعاً في التعامل والأخلاق، وكان يؤكد في كل مناسبةٍ أهميةَ تعزيزِ التلاقي التاريخي والحضاري الذي تتميز به منطقتنا، وأهميةَ تعزيزِه بين شعوبها، ولعل «معرِض طرق التجارة في الجزيرة العربية ـ روائع من آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» الذي يقام متزامناً مع «عام زايد»، في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، يأتي تحقيقاً لتطلعاته ـ رحمه الله ـ، وقادةِ دول المنطقة في تعزيز التكامل والتلاقي الثقافي بين شعوبها».
وأضاف: «نحن نعيش الآن في عصر التلاقي البشري من خلال السفر والسياحة ووسائل التواصل الحديثة، التي تجعل هذا العالم متقارباً أكثرَ من أي وقت مضى، ونعي اليوم أن التواصل الثقافي والحضاري بين الأمم هو من أهم الأمور التي يجب أن تُعنَى بها الدول، وأن إبراز الدول لحضاراتها من خلال استكشافها ومشاركة الآخرين في ذلك هو جزء لا يتجزأ من بناء الجسور بين الشعوب والثقافات».
ولفت إلى أن الحضاراتِ التي مرت وتقاطعت على أرض الجزيرة العربية عبر تاريخها، عززت لدى شعوب هذه الأرض قدراتٍ أصيلةً متوارَثةً هيّأتهم لبناء دولٍ وممالكَ وبناءِ الاقتصادِ والازدهار عبر الزمنِ.
وتابع: «نحن في دول مجلس التعاون الخليجي يجمعنا روابطُ تاريخيةٌ وجغرافيةٌ وحضاريةٌ وثيقةٌ، ويتوجّب علينا في هذا العصر أن تكون شعوبُ المنطقة واعيةً لهذه الروابط، وأن نشارك العالم في ذلك حيث أننا أمة لم تجتمع على بئر نفط، بل نحن أمة كانت وستظل - بإذن الله - ذاتَ تاريخ مجيد، ومساهماتٍ إنسانيةٍ وحضاريةٍ مهمة، تستند إلى منظومة من القيم الأخلاقية العظيمة التي تكونت عبر مراحل التاريخ، وعززها وأكدها الإسلام، وأن الحضاراتِ والأحداثَ التاريخيةَ المهمةَ التي مرت وتقاطعت على أرض الجزيرة العربية عبر تاريخها، والحَراكَ السياسيَّ والاقتصاديَّ والثقافيَّ الذي نتج عن ذلك عبر مخاض استمر آلاف السنين، إنما عزز لدى شعوب هذه الأرض قدراتٍ أصيلةً متوارَثةً هيّأتهم لبناء دولٍ وممالكَ عبر العصور، وتحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ، وبناءِ الاقتصادِ والازدهارِ، ومع أهمية اهتمامنا بتاريخنا وحضورنا التاريخي بين الحضارات، فمن المهم أن يكون لنا دورٌ أصيلٌ في صنع المستقبل، ونحن على قناعة أن الأمم التي لا تعرف تاريخها لا يمكن أن تساهم في بناء المستقبل، وأن التداخلَ الثقافيَّ والحضاريَّ بين دول وثقافات العالم يُحتّم علينا أن نكون متفاعلين ومنفتحين، وإيجابيين ومرحبين بهذا الحَراك العالمي».
وأكد الأمير سلطان بن سلمان أن ما تحمله شعوبُ هذه المنطقة من إرثٍ عظيمٍ يجعلهم مؤهَّلين لإثراء الحَراك المستقبلي الإنساني، متسلحين بالقيم والأخلاق الإنسانية النبيلة المتوارثة عبر الأجيال، متفاعلين مع التطور العلمي والمادي المتسارع. وذاد: «نحن أُمةٌ تجذّرت فيها الأخلاق وتأصّلت على مر العصور، وقد نزل القرآن الكريم على نبيٍّ من هذه الأمة في هذه الأرض المباركة وصفه الله جل وعلا بقوله الكريم: (وإنك لعلى خلقٍ عظيم)، فنحن أبناء أرض القيم والأخلاق والتعامل النبيل الذي يحترم الإنسان والمكان، ولقد أكّد الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، على هدف مهمته النبوية بقوله: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)».
وبيَّن أن هذه المعارض العالمية المهمة ننظر إليها على أنها إحدى النوافذ التي يرى من خلالها شعوب المنطقة والعالم بعضَ شواهد هذا الحَراك الحضاري في منطقتنا، الذي استمر عبر آلاف السنين حتى تهيأت أرض الجزيرة العربية بشرياً، واقتصادياً، وثقافياً، وسياسياً، وتكونت عليها وحدة مباركة، هي وحدة قلوب ومصير قبل أن تكون وحدة جغرافية، وقد أسهمت القوافل التي قَدِمَتْ للحج والتجارة وتقاطعت على أرض الجزيرة العربية في بناء إنسانِ واقتصادِ وثقافةِ المنطقة، وفي نشوء الممالك والكيانات البشرية المتعاقبة، وأسهمت في توفير وسيلةٍ للتواصل البشري تحاكي إنترنت هذا العصر، وهو ما أسهم في تعزيز التداول الثقافي وتطور وانتشار اللغة العربية الراقية التي خرج بها القرآن الكريم في لحظة تاريخية غيّرت مستقبل الجزيرة العربية إلى الأبد.
وتناول الأمير سلطان بن سلمان اهتمام المملكة بالعناية بآثارها وتراثها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي أيد أول بعثة أثرية من بلجيكا، وقد سار ملوك المملكة على ذلك عبر مراحل تاريخ الدولة الحديثة.
وأضاف: «كما قام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي عاصر قطاع الآثار منذ إنشائه قبل أكثر من خمسين عاماً، بتتويج تلك الجهود المباركة باعتماد وتدعيم برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، الذي يتضمن عدداً من المبادرات التي تعيد لتراثنا الوطني وتاريخنا الإنساني حضورَه في قلوبِ وحياة مواطنينا وأجيالِنا وللعالم أجمع، ليعود بالنفع على اقتصادنا ويكونَ جزءا مَـعِـيـشاً من حياتنا ومستقبلنا، ونحن نقوم بذلك من خلال ثمانية مسارات تتضمن تنفيذ 230 متحفاً ومشروعًا في المرحلة الأولى مع شركائنا حتى عام 2020م بميزانيات تتجاوز مليارات الريالات، تتضمن إنشاء وتشغيل 61 متحفاً منها بعض قصور الدولة التاريخية على مراحل تستمر حتى 2025م، وسيتم افتتاح 17 متحفاً منها خلال العامين القادمين، وتأهيل منظومة من المواقع الأثرية على مراحل حتى تصل إلى (195) موقعاً في عام 2025م، وكذلك تسجيل خمسة مواقعَ أثريةٍ وتراثيةٍ في قائمة التراث العالمي، آخرها واحة الأحساء، ويجري العمل على تسجيل خمسةِ مواقعَ أخرى خلال الخمس سنوات القادمة كمرحلة أولى، إضافة إلى تأهيل مواقعِ ومتاحفِ التاريخِ الإسلامي الكبرى ومراكز الزوار في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتأهيل المساجدِ التاريخية، والتي يساهم فيها ملوك الدولة والمواطنون».
وبيَّن أن عددُ المساجدِ التي رُمّمت أو يجري العمل على ترميمها بلغ قرابة (200) مسجداً تاريخياً حتى الآن من أصل (1140) مسجداً، وتأهيل 18 بلدة تراثية في المرحلة الأولى لتصبح وجهاتٍ سياحيةً توفر منظومةً متكاملةً من الخدماتِ وفرصِ العملِ للمجتمعات المحلية، واستهداف أكثر من (50) قرية تراثية جاهزة للزيارة حتى 2025م، وتشغيل 17 مركزاً للإبداع الحرفي في مختلف مناطق المملكة لتطوير منتجات الحرف اليدوية بصفتها مساراً اقتصادياً مهماً يوفر فرصَ العملِ للمواطنين والمواطنات.
وأشار إلى أن جميعِ أجهزةِ الدولةِ ومرافقِ الإيواءِ السياحيِّ تقوم باستخدام الحرف المحلية في منشآتها وهداياها، إضافة إلى أنه تم ترخيص (200) متحف خاص ذات تخصصات وأحجام مختلفة والعمل مع ملاكها لتطوير قدراتهم وتدريبهم وتنظيم زيارات استطلاع الخبرة لهم ومنها عدد من الزيارات لدولة الإمارات العربية المتحدة، كما يشمل البرنامج مساراتٍ تمكيـنــيةً تتضمن استقطابُ وتأهيلُ الكوادرِ البشريةِ لإدارةِ مواقعِ التراثِ الحضاري الوطني المتعددة من خلال الشباب والشابات الذين يتخرجون من الجامعات السعودية والعالمية، والتوعيةُ والتعريفُ بالتراث الحضاري للمملكة داخلياً وخارجياً، والتركيزُ على قطاعاتِ التعليمِ وجميعِ شرائحِ المجتمعِ بالتعاونِ مع جهاتٍ متعددةٍ كالتعليم والإعلام، وكذلك تنظيمُ الفعالياتِ والمِهرجاناتِ في مواقعِ التراثِ الوطنيِّ، كسوق عكاظ ومهرجان الجنادرية وغيرها من الفعاليات الرائدة، وتأسيسُ شركاتٍ متخصصةٍ للاستثمارِ في التراث الحضاري والحرفِ والصناعاتِ اليدويةِ، وترميم وتشغيلِ مواقعِ التراثِ العمرانيِّ.
ولفت رئيس الهيئة في كلمته إلى أن المملكةُ تعد اليومَ من الدولِ الرائدةِ في مجالِ الكشوفاتِ الأثرية والبحث العلمي التي ترون جانبًا منها اليوم؛ إذْ أصبحت أرضُها نقطةَ جذبٍ لبعثات التنقيب العالمية، حيث يعمل حاليًا 44 بعثةً سعوديةً دوليةً للتنقيبِ الأثريِّ يشارك فيها أبناء وبنات المملكة من المتخصصبن وتعلن باستمرار نتائجَها التي بَهَرَتْ العالم، وحققت أصداءً واسعةً أسهمت في التعريفِ بالبعدِ الحضاريِّ للمملكة، وكونِها مهداً للحضاراتِ الإنسانية، ومصدراً للهجراتِ البشريةِ المبكرةِ إلى أوروبا وآسيا كما كشفته أبحاث علمية أخيراً، كما نعمل عبر مبادراتٍ مهمةٍ مع منظومة من المؤسساتِ العلميةِ المرموقةِ، ونستخدمُ أحدثَ تقنياتِ الاستكشافِ والبحث العلمي، كمشروع الجزيرة العربية الخضراء (Green Arabia) لرصدِ التحوُّلاتِ الـمُـناخية، وربطِ ذلك بالهجراتِ الإنسانيةِ الأولى، وقد أدى ذلك إلى رصدِ أكثرَ من عشرةِ آلافِ بحيرةٍ جافةٍ تحتَ رمال بلادِنا، وآلافِ الأنهارِ المندفنةِ التي وفرت في حقبةٍ زمنيةٍ ماضيةٍ أرضاً خصبةً للاستقرارِ الإنسانيِّ والحيوانيِّ قبلَ فترةِ التصحُّرِ الحاليِّ، ولقد استشرف ذلك نبي الأمة صلى الله عليه وسلم بقولة (إن الساعةَ لا تقوم حتى تعودَ أرضُ الجزيرةِ العربيةِ مروجاً وأنهاراً)، ونحن نؤكد اليوم علمياً أن هذه الأرضَ المباركةَ كانت كذلك سابقًا.
ونوه الأمير سلطان بن سلمان اهتمام المملكة بمسار استعادة القطع الأثرية من داخل وخارج المملكة، وقال: «تم استعادة أكثر من 55 ألف قطع أثرية، وأن معرِض طرقِ التجارةِ في الجزيرةِ العربيةِ ـ روائعُ من آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور، الذي انطلق من مُتحفِ اللوفر العالمي في باريس عام 2010م، واستضافه أهمُّ المتاحفِ العالميةِ في أوروبّا وأمريكا وآسيا، يحط اليوم في محطته الخامسةَ عشرةَ في هذا المُتحفِ المميَّزِ الذي نسعد جميعاً بوجودِه في مِنطقتِنا، وسينتقل المعرِضُ في محطاتِه القادمةِ إلى دولٍ ذاتِ بعدٍ حضاريٍّ وتاريخي عريقٍ، منها اليونانُ وإيطاليا ومصرُ الشقيقةُ التي يشاركنا وزير آثارها الصديق الدكتور خالد عناني اليوم، وغيرها من دول العالم، وأنتهزُ الفرصةَ للإشادةِ بجهودِ أشقائنا في دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ في العنايةِ بتراثِهم، والاستثمارِ في التراثِ الثقافيِّ بصفته مورداً أساساً لتاريخِ واقتصادِ الدولة».
وأضاف: «كما أحيّي جهودَ دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ في المحافظةِ على التراثِ وإعادةِ مكانتِه بوصفِه جزءاً من هُـويَّـتِـنا واقتصادِنا، وهذا يعكسُ ما نؤكدُه دائما من أنه كلما ارتفعَ مستوى التحضُّرِ لدى أمةٍ من الأمم زادت عنايتُها بتراثِها، ونحن بحمد الله، كنا وما زلنا أمةً متحضرةً ذاتَ قيمٍ ساميةٍ وعاليةٍ تعتزُّ بتراثِها العريقِ وتبني عليه؛ لتسيرَ واثقةً نحوَ المستقبل، وأشكرُ متحف اللوفر أبوظبي على استضافة المعرضَ خلال هذه الفترة التي هي أطول محطة للمعرض وتقديمِ كافةَ التسهيلاتِ للخبراءِ السعوديين لتجهيزِه، ولهيئةِ ثقافةِ أبوظبي ولمسؤولي المُتحفِ الذين حقّاً ساهموا في هذا التنظيِم الرائع، وعلى هذا الحضورِ والافتتاحِ الباهرِ، وأشكرُ أخي الشيخِ حامدَ بنَ زايدٍ لحضورِه الكريمِ هذه الليلةَ، وأخي العزيز الشيخِ عبدَالله بنَ زايدٍ وزيرَ الخارجيةِ على حضوره وأيضا مساعدته لنا في بعض الأمور المتعلقة بالمعرض، كما أشكركم جميعًا على حضوركم، وأدعو الجميعَ في الإماراتِ وزوارَها ودولَ الخليجِ إلى زيارةِ هذا المعرِض العالمي المميز مع أسرهم وأصدقائهم».
من جهته، أوضح رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي محمد خليفة المبارك، أن اختيار معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» لاستضافته في متحف اللوفر أبوظبي بمناسبة مرور عام على افتتاحه، يعكس اهتمام المسؤولين الإماراتيين بهذا المعرض الذي اكتسب سمعة عالمية، إضافة إلى أنه يمثل بلدا تربطه مع الإمارات أقوى أواصر الأخوة والشراكة.
وقال في كلمته خلال الحفل: «هذا المعرض سيشكّل القلب النابض للموسم الثقافي الحالي في اللوفر أبوظبي، حيث يبرز (معرض طرق التجارة في الجزيرة العربية: روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) روابط الصداقة والتعاون الوطيدة التي تجمع بين الإمارات والسعودية وفرنسا».
ويقع متحف اللوفر أبوظبي في منطقة تربط أبوظبي بشبه الجزيرة العربية، بالتالي فإن هذا المعرض هو الأنسب لتقديمه للزوار بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لهذا الصرح الحضاري.
وفي ختام الحفل الخطابي، قام الأمير سلطان بن سلمان والشيخِ عبدَالله بنَ زايدٍ ، والشيخِ حامدَ بنَ زايدٍ، إضافة إلى وزير الآثار المصري الدكتور خالد عناني، والشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في المملكة، وضيوف الحفل من الوزراء وكبار الشخصيات، بجولة في معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور».
وقد أدلى رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، في ختام الجولة بتصريح صحفي لوسائل الإعلام قال فيه: «المعرض هو معرض عالمي، وتتميز محطته هنا بوجودها في دولة شقيقة لنا معها امتداد حضاري، وهناك رسالة مهمة للمعرض هي أننا نحن في هذه الدول المزدهرة التي تقوم على وحدة مباركة، لم نجتمع فقط على ثروة نفط كما يعتقد العالم، بل أتينا من بلاد وهبها الله سبحانه وتعالى ثروات كثيرة وقامت فيها دول وممالك عظيمة وكبيرة جداً وتقاطعت عليها حضارات الدنيا، والذي يحدث اليوم من حراك ثقافي وحضاري في بلادنا هو شيء حتمي، لأن اليوم العالم انتشر فيه التواصل الاجتماعي، وأصبحت دول الخليج الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية أمام العالم اليوم مكشوفة، ومن المهم أننا أيضاً نساهم في بناء هذه الحضارة الإنسانية المستقبلية، ومن المهم أن يعرف العالم اليوم من هو هذا المساهم، نحن لم نساهم بأننا أتينا من صحراء قاحلة نحن أتينا من حضارات وسلام، حضارات عظيمة قامت على هذه الأرض التي خرج منها الإسلام ونزل فيها القرآن الكريم كتاب الله المقدس، وحمل أبناؤها إرثها من الأخلاق النبيلة والقيم السامية، فلذلك نحن لا نستعيد فقط الماضي؛ ولكن نحن نُعيد إبراز هذا التاريخ المجيد وتمكينه من أن يكون منفتحاً أمام الناس».
بدوره، أعرب الشيخِ حامدَ بنَ زايدٍ عن تقديره لرئيس الهيئة وشكره للمملكة على تنظيم هذا المعرض المهم.
وقال: «في البداية أشكر أخي الأمير سلطان بن سلمان على هذا المعرض المميز الذي يحوي قطعاً مهمة فاجأتنا جميعًا بقيمتها وجودتها، فأنا لأول مرة أشاهد هذه القطع التي تعكس تاريخ المملكة وحضاراتها التي نتشارك فيها وتجسد علاقتنا التاريخية والمستقبلية، وأنا أدعو الجميع لزيارة هذا المعرض المتميز».
وتتميز محطة المعرض (الخامسة عشرة) التي ستقام في "متحف اللوفر أبو ظبي"، بأنها المحطة الأكبر في تاريخ المعرض، حيث أضيفت لقطع المعرض الـ (466) قطعة أثرية تعكس جانبًا من الأنماط المعيشية في الحضارات المشتركة في الجزيرة العربية، خاصة المتعلقة منها بالصحراء والفروسية والجمال والصيد بالصقور ووسائل الصيد الأخرى في الصحراء.
كما سيشمل المعرض جناحًا للحضارات والتراث المشترك بين المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
ويعد معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني واحداً من أهم المعارض السعودية العالمية التي قدمت التراث الحضاري للمملكة والجزيرة العربية لأكثر من خمسة ملايين زائر من مختلف دول العالم من خلال إقامة المعرض في أشهر المتاحف العالمية بالمدن والعواصم الأوروبية والأمريكية والآسيوية، حيث شكل المعرض فرصة مهمة وحيوية لاطلاع العالم على حضارات المملكة والجزيرة العربية وما تزخر به من إرث حضاري كبير، ومقومات حضارية وتاريخية ممتدة عبر العصور.